الله في السماء ، والأمل في الأرض ، وبين روح الله المؤاسي ، ومدد الرجاء الآسي تندمل الجفون القريحة ، وتلتئم القلوب الجريحة ، وتنتعش الجدود العاثرة .
الكروان يموت فرخه في المساء ، في الصباح يرقص ويصدح ، والشاة يُذبح حملها في الحظيرة ، وفي المروج تثغو وتمرح ، والقلب يقطع من القلب والروح تنزع من الروح ، ثم يعيش المحب بعد حبيبه ، والوالد بعد ولده ، كما يعيش النهر الناضب في ارتقاب الفيضان ، والروض الذابل في انتظار الربيع .
لله على الناس نعمتان لا يطيب بدونهما العيش ، ولا يبلغ إلا عليهما العمر :-
النسيان والأمل ...!
ماذا كان يصنع الأسى بالقلوب الوالهة إذا لم يمح النسيان من الذهن صورة الحبيب الراحل أو الهاجر ؟
تأمل حالك يوم فجعك الموت في عزيز عليك ، أما كنت تجد لهيب الحزن متصلاً يوقد صدرك من غير خبو ، ويذيب حشاك من غير هدنة ؟
تصور دوام هذه النار على نياط القلب وأعصاب الجسد ، ثم قدّر في نفسك الحياة على هذه الصورة ، على أنها والحمد لله لا تدوم ، فإن الجبار الذي سلط الألم على الروح ، وهو الرءوف الذي سلط الزمن على الألم ، فالزمن لا ينفك يسحب ذيول الأيام والليالي ، على الصور والآثار حتى تنطمس المشابه ، وتعفو الرسوم ، ولا يبقى من المفقود إلا صورة لا تنطق ، ولا من الجرح إلا ندبة لا تُحس .
وماذا كان يفعل اليأس بالنفوس المكروبة إذا لم يفتح الأمل أمامها فرجة في الأفق المطبق ، وفسحة من الغد المجهول ؟
يا ويلتا للفقير يعتقد أن فقره يدوم بدوام الحياة ، وللمريض يرى أن مرضه ينتهي بانتهاء الأجل ، ويا بؤسى للحياة إذا لم يقل المأزوم والمحروم والعاجز :-
إذا كان في اليوم قنوط ، ففي الغد رجاء ، وإذا لم تكن لي الأرض ، فستكون لي السماء ...!!!