بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين من فضلكــ لآ تدع الشيطان يمنعك .. ردد .. معــي .. سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَاللهُ اَكْبَرُ أولئك الأكياس.. أولئك الأكياس روى ابن ماجه والمنذري في الترغيب والترهيب بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنه: "أن رجلا من الأنصار سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا..أولئك الأكياس".
والكَيْسُ: هو العقل. و"أي المؤمنين أكيس": أي أيهم أكثر عقلا وأسد رأيا.
فأعقل الناس هو ذاك الذي يرى الأمور على حقيقتها، فلا تخدعه المظاهر ولا تشغله الظواهر، ولا تلهيه السفاسف عن إدارك الحقائق. فهو يرى الدنيا على حقيقتها، دار ابتلاء وامتحان (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )(الملك:2)..
وغايتها أن تكون قنطرةً يُعبَر عليها إلى الدار الآخرة، ومرحلةً يتزود الإنسان منها إلى السفر الطويل "مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها".. فهو يرى نفسه في الدنيا كغريب أو عابر سبيل، إن افتقر فيها علم أنه ابتلاء فصبر عليه، وقال كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "ما قل من الدنيا كان أقل للحساب، وإنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل.
فيكفي من الطعام ما سد الجوعة، ومن الثياب ما ستر العورة"
وإن اغتنى علم أيضا أنه مبتلى؛ فيشكر الله على نعمته، ثم لا يأخذ المال إلا من حِلِّه ولا يضعه إلا في حقه، ويعلم أنه لو حيزت له الدنيا فإن ذلك لا يساوي شيئا في الآخرة إلا بالتقوى "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه" "رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وهو صحيح" ولكن لا يبلغ الإنسان هذا الفهم، ولا تستقر في نفسه هذه الحقائق إلا إذا كان الموت على بال، كما هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" (رواه المنذري بسند حسن).
وقال لابن عمر: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
وإنما كان الأكياس "العقلاء" هم أكثر الناس ذكرا للموت لأن الموت هو آية الله العظمى، وسره الخافي وراء الستر المسبل، قهر به جميع المخلوقات، فـ (كل من عليها فان)، وجعله حتما لازما وحكما نافذا ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ )، وجعل له أجلا محدودا (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، وهذا الأجل غيب مجهول لا يعلمه إلا الله، فلا يدري أحد متى ولا أين ينزل به (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). فإذا كان الأمر كذلك كان من علامة كمال العقل أن يكون الإنسان كثير الذكر لذلك، عظيم الاستعداد له، فكرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك يلزمك أن تستعد له "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"(رواه الترمذي وحسنه)
وإنما كان أكيس الناس أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم لما بعده استعدادا لأن ما بعد الموت كله شدائد متتالية، وفتن متوالية، وفظائع ومصائب متداخلة يتبع بعضها بعضا، ولكنها في النهاية خلاصة صادقة، ونتيجة عادلة لما كان العبد يعلمه في هذه الحياة. "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".
وإنما نسي الناس ذلك لما زادت الغفلة، وطالت الآمال، فقست القلوب، وذهلوا عن الموت فأعمالهم أعمال من لا يموت، وأحوالهم أحوال من ضمن الخلود، حتى صرنا كأننا من الموت في شك كما قال الحسن: " ما رأيت يقينا أشبه بشك من الموت".
فقلوبنا موقنة بالموت، وأعمالنا أعمال من لا يموت أبدا،
وهو أمر عجب تعجّب منه سليمان الفارسي فقال: "ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني: "عجبت من مؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل ليس يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أساخط ربه عليه أم راض". نسأل الله أن يجعل ذكر الموت منا على بال، وأن يرزقنا والمسلمين حسن الخاتمة.. آمين.