الحمار
والملح و الاسفنج
ذكروا أنَّ.. مُكَاريّاً (من ينقلُ على الدّوابِّ بالأُجرةِ) كانَ لديهِ حمارٌ كسولٌ يلهثُ من أَيِّ حِملٍ على ظهرِهِ مهما كان خفيفاً, و يكرهُ العملَ و السَّفرَ و لو لمسافةٍ قصيرةٍ, و لذلكَ تعبَ منهُ صاحِبُه و كرهَهُ, لأنَّهُ أَكولٌ كسولٌ, و لهذا فَلَم يحملْ عليه إلا مضطرّاً و عند الحاجة الماسّة, عندما تكون جميعُ الدَّوابِّ مشغولةً بالعملِ.
و في يومٍ من الأيام اضطرَّ المُكاريُّ إلى استعمالِ الحمارِ,حينَ جاءهُ زَبونٌ عندَه حِملان من الملحِ الثَّقيلِ, يريدُ نقلَهما إلى القريةِ القريبةِ, فجلبَ حمارَه الكسول المتبرِّم, و حملَ عليه الملحَ, فشعر بالثّقل الزَّائد, فسارَ سيراً بطيئاً بعد إلحاحِ المُكاريِّ و صياحه عليه, و كادَ يموت من شدَّة الإرهاقِ, لأنه ما تعوَّد يوماً على مثل هذا الحِمل.
اقترب الحمارُ و المُكاريُّ من القرية، حتَّى إذا عبرا جسراً على طريقِهِما, كان
الحمار مجهداً جهداً غيرَ عاديٍّ تكاد قوائِمُهُ تتقصَّف, و جسمُهُ يتمزَّق.. فتعثَّر على أرضِ الجسرِ فانكسرَ الحاجِزُ, و سقطَ في الماءِ الغزيرِ الَّذي تخلَّل حِملي الملح فأذابَه.. و لمَّا خرجَ الحمارُ من الماءِ لم يكن على ظهرهِ سوى كيسي الملحِ الفارغينِ, فأحسَّ بالنَّشاطِ و الخفَّة و الرَّاحة.
عادَ المُكاريُّ إلى المدينةِ مستاءً, بعد أن غرَّمه الفلاَّح ثمنَ المِلح, و سخطَ على حماره, و لامَ نفسَهُ لاستخدامِهِ له و هو يعرِف كسلَه.. و قرَّر بيعَه في أقربِ فُرصةٍ.. لكنَّه لمَّا نزلَ به السُّوق لم يشترِهِ أحد, لأنَّ المُكاريين كانوا يعرفونَ طِباعه لشهرَته بينهم, و قِصصه الكثيرةِ الّتي تدلُّ على عدم تحمُّله, و الَّتي كان آخرُها قصّة الملح.. فعادَ المُكاريُّ به إلى الأسطبل, و قرَّر أن يُهمله و لا يَستعمله حتَّى يموت.
إلا أنَّ زبوناً جاءهُ في اليوم التَّالي مُستعجلاً, و قال له: عندي حِمْلُ إسفنجٍ أريدُ أن توصِلَه إلى القريةِ القريبة, فقال المُكاريُّ في نفسه و قد غابت دوابُّهُ في العمل: الإسفنجُ خفيفٌ مهما كبُر حجمه, و لن يتعبَ هذا الحمارُ الكسولُ بهذا الحِمل, فأخَذَه إلى حيثُ الإسفنج, و حملهُ عليه بإحكامٍ, و قصدَ القريةَ و لم يدرِ أنَّ الحمارَ استاءَ منه برغمِ خِفَّةِ الإسفنْجِ.. و أنَّه نوى في نفسه شرَّاً, فلمَّا وصلا إلى الجسر, تصنَّع الحمارُ التَّعب, و أَلقى بنفسِه في النَّهر طامعاً بالتَّخلُّص من الحملِ مثلما تخلَّص من الملح من قَبل.. فإذا بالإسفنجِ يمتصُّ الماءَ و يحفظُه فيثقلُ الحملُ..
و يغرقُ الحمارُ الغبيُّ الكسولُّ, الَّذي
أخطأَ بالتَّفكيرِ فهلكَ.