أثناء قرائتي عن الصين وتوقعات مستقبل سكانها لفت نظري أن سياسة الطفل الواحد التي تبنتها الصين لعقدين من الزمن وكانت تحمي اقتصادها لفترة طويلة أصبحت الآن خطراً يحدق بها حيث أن لهذا السياسة آثار خطيرة على مستقبل إقتصاد الصين , عندما يكثر المتقاعدين وتزداد تكاليفهم التقاعدية ويقل احتياطي القوى العاملة ناهيك عن الآثار التي خلفتها من تكريس لثقافة عدم الإنجاب ومايتبع ذلك من مشاكل في الصحة العامة , وتبعات كل ذلك على الإقتصاد والاستهلاك والنمو . لهذا في خطوة أولى نحو معالجة هذا القرار أصبحت الصين الآن تحث على إنجاب الأطفال .
في عام 1978 , قاد Deng Xiaoping زعيم الصين , والذي تنسب له نبوءة عندما كانت الصين غير متقدمة في أي شيئ بأنها تحتاج إلى نصف قرن لاستكمال عملية التحديث والسيطرة السياسية والاقتصادية , قاد هذا الزعيم إصلاحات في الصين وقرر فتح الإقتصاد الصيني , لكن هذا الإنفتاح لم يكن ليحقق فوائد مهمة دون وجود ديمغرافيات مواتية للغاية وخصائص سكانية متميزة . في الستينيات من القرن الماضي كان معدل الخصوبة يشير إلى أن متوسط عدد المواليد في الصين 6 أطفال لكل أم وهو أعلى بكثير من معدل استبدال السكان* 2.1
شاهد بيانات معدل الخصوبة منذ الستينات إلى 2016
يعني أنه مع اشتداد الإصلاحات في الثمانينات , كان هناك الكثير من الشباب الذين انضموا إلى القوى العاملة في الوقت المناسب . بحلول ذلك الوقت كانت بذور الأزمة الديمغرافية قد زرعت بالفعل مع انخفاض معدل المواليد في الصين بسبب سياسة الطفل الواحد *.
لكن الأزمة كانت بعيدة عدة سنوات. نتج عن زيادة المعروض من الشباب الذين يعيشون في الريف زيادة في التحضر. ارتفع عدد سكان المدن في الصين بمقدار 600 مليون نسمة بين عامي 1978 و 2010 ، أي بزيادة 200 مليون نسمة عن النمو في إجمالي عدد السكان.
انتقل هؤلاء الشباب إلى البلدات والمدن للعمل مقابل أجور منخفضة للغاية في المصانع التي تستهدف التصدير. ومن هنا كان صعود الصين لتكون أكبر ورشة للعمل في العالم.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للقطاع البتروكيماوي ؟
بين عامي 1978 و 2000 ، ارتفع استهلاك الصين من هذه الراتنجات الصناعية التسعة الرئيسية - ABS ، EPS ، HDPE ، LDPE ، LLDPE ، PP ، PS ، ألياف البوليستر و PVC - من 463 ألف طن إلى 24 مليون طن فقط . قفزت حصة الصين من الطلب العالمي من 1٪ إلى 17٪ مع نمو الاقتصاد الموجه نحو التصدير .
ثم جاء انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 . فجأة ، أزيلت جميع الحصص والتعريفات الجمركية التي قيدت صادرات الصين إلى الغرب . زادت الصين بشكل كبير حصتها من الصادرات . قفز استهلاك الراتنجات من 27 مليون طن في 2001 إلى 51 مليون طن في عام 2008. ارتفعت حصة الصين العالمية من 18٪ إلى 26٪.
وكانت المرحلة 3 هي الزيادة التي عززت الدين في النمو الاقتصادي في الفترة 2009-2018. تراجعت الصادرات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل طفيف في الصين ، لكن كان هناك تعويض من خلال طفرة في الإنفاق المحلي.
الصين معرضة لخطر أن تشيخ قبل أن تصبح غنية
الكثير من الناس أصبحوا أثرياء بسرعة كبيرة بفضل الإسكان و فقاعات الأصول الأخرى . وقفز الطلب على الراتنجات التسعة من 61 مليون طن في عام 2008 إلى 114 مليون طن في عام 2018. وارتفعت نسبة الاستهلاك العالمي في الصين من 26٪ إلى 37٪.
في هذه الأثناء ، كانت الساعة الديموغرافية تدق. استمر عدد المواليد لكل أم في الانخفاض حتى وصلوا إلى 1.6 في عام 2016 - أحدث تقديرات البنك الدولي المتاحة. في بعض المدن ، تقل معدلات المواليد عن واحد لكل أم.
بين عامي 2015 و 2040 ، سيزيد عدد سكان الصين الذين تبلغ أعمارهم 50 سنة فما فوق بمقدار 250 مليونًا تقريبًا مع انخفاض عدد السكان تحت 50 عامًا بنفس المقدار. خلال السنوات نفسها ، ستتقلص الفئة العمرية 15-29 سنة - والتي تتمتع في جميع المجتمعات الحديثة بأعلى مستوى من التعليم وتتمتع بأكبر قدر من المعرفة التقنية والتكنولوجية - بنسبة 75 مليون.
الفئة الوحيدة التي ستنمو في الحجم ستكون الفئة العمرية 50-64 والأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 64 سنة. وفي عام 2015-2020 ، سوف يقفز عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا بنسبة 150٪ تقريبًا - من 135 مليون إلى ما يقرب من 340 مليون .
في الوضع الطبيعي سيرتفع الاستهلاك من 120 مليون طن في عام 2019 إلى 180 مليون طن في عام 2030. وسيبلغ إجمالي الطلب خلال هذه السنوات 1.8 مليار طن. سوف يرتفع دور الصين العالمي في زيادة الطلب من 37٪ عام 2019 إلى 38٪ في عام 2030.
السيناريو الثاني بناء على تأثير شيخوخة الصين المستقبلية
وأخيراُ يفترض التحليل أن نمو الطلب قد ينخفض نقطتين مئويتين في كل عام من عام 2019 حتى عام 2030 بناء على تحليل شيخوخة الصين . وهذا من شأنه أن يؤدي إلى خسارة قدرها 240 مليون طن خلال كل هذه السنوات الاثني عشر ليكون في حدود 1.5 مليار -1.6 مليار طن مقابل السيناريو الأول الذي يفترض إجمالي طلب بحوالي 1.8 مليار طن لنفس المدة .
بطبيعة الحال ، ستكون الآثار العالمية على معدلات التشغيل ضخمة بسبب دور الصين المهيمن في دفع الطلب.
يقول الدكتور Nicholas Eberstadt الذي كتب بحثاً حول توقعات التغير الديمغرافي في الصين لعام 2040 يقول أنه لدينا الآن بالفعل صورة موثوقة بها إلى حد كبير عن صورة سكان الصين لعام 2040 لأن الأغلبية الساحقة من الناس الذين سيعيشون في الصين في عام 2040 يعيشون بالفعل ويعيشون هناك اليوم.
إن سكان الصين يسيرون في طريقهم إلى الذروة في العقد القادم والانخفاض بوتيرة متسارعة بعد ذلك.
من المقرر أن تشهد الصين طفرة سريعة بشكل غير مسبوق في شيخوخة السكان ، مع النمو السكاني المتفجر بشكل خاص لمجموعة الـ+65 ، حتى مع تقلص سكانها في سن العمل بشكل تدريجي.
لا يمكن لهذه الاتجاهات أن تؤدي إلا إلى معاناة اقتصادية خطيرة ، وتدل على إنهاء حقبة الصين من "النمو الاقتصادي البطولي".
بحث الدكتور Nicholas Eberstadt المهتم بالكتابة حول التركيبة السكانية والتنمية الإقتصادية تجدونه على هذا الرابط
ملاحظة :* معدل الاستبدال (replacement level) هو مقدار الخصوبة اللازمة للحفاظ على نفس السكان من جيل إلى جيل ويشكل معدل 2.1 معدل الاستبدال الأدنى المطلوب للحفاظ والزيادة على عدد سكان أي دولة مع الوقت.
* في عام 2015 , تخلت الصين عن سياسة الطفل الواحد وذلك بإنجاب طفلين بدلاً من واحد واعتبارا من العام 2020 فإن السلطات الصينية ستعد قانونا مدنيا جديدا لا يشير بأي حال من الأحوال إلى ضبط عملية الإنجاب .
المواضيع المتشابهه 
آثار شيخوخة الصين المستقبلية على الطلب على البتروكيماويات 
العرض الشجري
