لا شك أن الجن يتشكلون بصور البشر،
وصور الحيوانات،
ويتكلمون مع الناس؛
فقد رأى أبو هريرة وأبي بن كعب بعضهم،
كما في الأحاديث الصحيحة في صحيح البخاري وغيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والجن يتصورون في صور الإنس، والبهائم
فيتصورون في صور الحيات والعقارب وغيرها،
وفي صور الإبل والبقر، والغنم والخيل والبغال والحمير،
وفي صور الطير،
وفي صور بني آدم، كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم
لما أرادوا الخروج إلى بدر،
قال تعالى: وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. إلى قوله:
والله شديد العقاب ـ
وكما روي أنه تصور في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة هل يقتلون الرسول أو يحبسونه أو يخرجونه؟
كما قال تبارك وتعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. انتهى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
"وكلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام،
فأخذته وقلت: والله لأرفعنّك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
، قال: إني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، فخلّيتُ عنه
فأصبحتُ فقال النبي -صلى الله عليه و سلم-:
( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ )
، قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله،
قال: ( أما إنه قد كذبك وسيعود ) ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم-
إنه سيعود،
فرصدتُه فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت:
لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
قال: دعني فإني محتاج وعليّ عيال لا أعود. فرحمته فخلّيت سبيله فأصبحت
فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( يا أباهريرة ما فعل أسيرك؟ )
. قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله،
قال: ( أما إنه كذبك وسيعود ) .
فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله،
وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ثم تعود،
قال: دعني أعلّمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟
قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (البقرة:255) حتى تختم الآية؛
فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح؛ فخليت سبيله
فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( ما فعل أسيرك البارحة؟ )
، قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها فخليت سبيله،
قال: ( ما هي؟ ) ، قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ،
وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح -
وكانوا أحرص شيء على الخير -،
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب،
تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ )
. قال: لا، قال: ( ذاك شيطان ) رواه البخاري
قال الطبري في تفسير هذه الآية:
(عن ابن عباس قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشيطان، معه رايته،
في صورة رجل من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم،
فقال الشيطان للمشركين: لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ [الأنفال: 48]،
فلما اصطف الناس أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب
، فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا مدبرين،
وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه - وكانت يده في يد رجل من المشركين -
انتزع إبليس يده، فولى مدبراً هو وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة:
تزعم أنك جار لنا؟ قال:
إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ
وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 48] وذلك حين رأى الملائكة) (3).