كان لي موعد عام 2010 مع تغطية مونديال جنوب إفريقيا..هذه التظاهرة التي تحبس الأنفاس على أساس أنها الأكبر في العالم والأكثر مشاهدة والأكثر حضورا من حيث الجماهير، إذ تتجاوز النصف مليون لكن على دفعات..الرهان كان قائما يومها على قدرة هذا البلد الإفريقي الخارج من العنصرية المقيتة أن يرفع رأس القارة السمراء ويؤكد للرجل الأبيض أن السواد مسك وعمل..وفعلا نجحت بلاد العم مانديلا إلى حد بعيد في الخروج بهذه التظاهرة إلى بر الأمان..
في لغة كرة القدم حتى تستضيف تظاهرة مثل كأس العالم لابد أن تتقدم بملف ضخم إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، وقد تضطر للدفع تحت الطاولة واستمالة العجوز بلاتير ومغازلة الساحر بلاتيني وكسب ود القيصر بيكانباور والفوز برضا والتر غاغ، وحتى يتسنى لك كل هذا عليك أن تحضر نفسك لخوض هذا التنافس قبل 10 سنوات من بداية الترشيحات مع تحضير ملف ضخم يُنقل بالشاحنات إلى سويسرا..هذا الملف يتضمن ملاعب وفنادق ووسائل النقل وأماكن الأكل والمطارات والخدمات المقدمة لما يقارب نصف مليون من البشر..نعم نصف مليون يتوزعون على أكثر من 8 مدن مما يعني أن كل مدينة سيكون نصيبها 70 ألف شخص ينامون ويأكلون ويتنقلون ويتجمعون في مكان واحد!!
هذا بالنسبة لكأس العالم حتى لا نتكلم عن كؤوس إفريقيا والمنافسات الإقليمية وكؤوس أوروبا ونهائي رابطة الأبطال وغيرها، فما بالك إذا كانت التظاهرة أكبر من كأس العالم والحضور يقارب الخمس ملايين من البشر وفي مدينة واحدة وبملعب واحد والجماهير تتحرك كلها في نفس الوقت وتعود في نفس الوقت وتخلد للنوم في نفس الوقت، وتأكل في نفس الوقت بمعنى جيوش طولها عشرات الكيلومترات تتحرك دفعة واحدة في تنظيم كامل ومحكم..
نعم هذا ما يحدث سنويا في موسم الحج في السعودية، هذه المملكة التي زرتها لأول مرة في موسم الحج ووقفت على جهود سلطاتها لإنجاح الركن الخامس، ورغم أني كنت من المستغربين لإطلاق تسمية خادم الحرمين على ملكهم، لكن أيقنت أن هذه العائلة تستحق فعلا هذا اللقب فمن يرى الحرمين لا يستوعب كيف طورته وحافظت عليه المملكة ووسعته حتى يستوعب تلك الملايين التي تقصده سنويا، حتى لا أتكلم عن شبكة الطرقات التي تتسع لعشرات الآلاف من الحافلات والسيارات والدراجات في وقت واحد والميترو الذي يربط مكة بكافة المشاعر من منى وعرفات ومزدلفة، والفنادق التي لم تضيق بخمسة ملايين شخص والأمن الذي حفظه الرجال..
ما تقدمه السعودية لملايين الحجاج لا تقدم عُشره الدول التي تستضيف كأس العالم، فبغض النظر عن المواقف السياسية للمملكة التي قد لا تعجب البعض، لكن ما تقدمه في خدمة الإسلام وبيت الله الحرام ولضيوف الرحمن بالملايين يتجاوز ما تُقدمه الدول مشتركة لشلّة من ضيوف الكرة!
.
آخر الكلام:
الفيفا منحت لكوريا واليابان حق تنظيم كأس العالم 2002 مثلما منح الاتحاد الأوروبي حق تنظيم أورو 2012 لبولونيا وأوكرانيا، فالدول تتحالف من أجل خدمة حفنة قليلة من البشر، بينما المملكة السعودية ولوحدها تعمل جاهدة على تحسين موسم الحج من عام لآخر..الإمكانيات متوفرة والبنية التحتية والمنشآت.. فلماذا لا يمنحوا المملكة حق تنظيم كأس العالم..؟
ياسين لمنور --- الشروق الجزائرية