السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبتي الكرام قرأت الكثير من الردود في المنتدى وفي غيره من المنتديات عن حكم التأمين وعن مسائل غيره خلافية في نظر الشرع فنقلت للأحبة كلام رائع للشيخ ( محمد مختار الشنقيطي ) مايفعل الإنسان عندما تصادفه مسئلة خلافية وقس عليها التأمين وغيره من تلك المسائل أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بهذا النقل
الجواب: بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن الاه أمابعد :
المنبغي عند الخلاف الرجوع إلى كتاب الله وسنة النبي-r- وهذا هو أمر الله-U- في كتابه المبين:{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } وأمرنا بالرد إليه-I- والرد إلى رسوله-صلوات الله وسلامه عليه- وقال العلماء الرد إلى الله رد لكتابه والرد إلى رسوله رد إلى سنته بعد وفاته والرد إلى الكتاب والسنة يقولون الرجوع إلى أهل العلم وحينئذٍ إذا وقع الخلاف أمام المكلف فلا يخل المكلف من ثلاث حالات : الحالة الأولى : أن يكون مجتهداً بمعنى أنه يحسن النظر في الأدلة والأقوال وتمييز القوي منها من الضعيف فحينئذٍ يجب عليه أن يبحث المسألة وأن ينظر في أقوى الدليلين وأقوى الحجتين فيعمل به ويعتذر لمن خالف بدليله ولا يجوز له في هذه الحالة أن يقلد أحد العالمين أو يسير على أحد القولين تخييراً لأن الله أوجب عليه الاجتهاد ولا يجوز له أن يترك يقين نفسه لظن غيره . الحالة الثانية : أن يكون عامياً لايفقه ولايعرف الدليل الصحيح من الضعيف ولا يحسن النظر في أقوال العلماء أحياءهم وأمواتهم فإذا كان عامياً فالأصل في الإنسان أن يبحث عن عالمٍ ويرضى به حجة بينه وبين الله عن عالمٍ عامل بكتاب الله وسنة النبي-r- مشهود له بالنبوغ في علمه فإن شهادة الناس حجة كما قال-r-: (( أنتم شهداء الله في الأرض)) فمن وضع الله القبول في علم العقيدة رُجع إليه في العقيدة واعتبر حجة فيها مادام أنه يتكلم بكتاب الله وسنة النبي-r- ومن وضع له القبول في علم الحديث فهو عالم الحديث ومن وضع له القبول في علم الفقه فهو عالم الفقه وقس على هذا فيرجع إلى كل عالم في علمه فإذا وجدت عالماً يوثق في دينه وعلمه والتزمت فإنك تلتزم قوله بالدليل والعامي يلزمه الرجوع إلى هذا العالم لقوله-تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فهذا العامي لايعلم فإذا كان لايعلم فيلزمه أن يرجع إلى أهل العلم فإذا رجع إلى أهل العلم لايتذبذب ؛ والسبب في وقوع اللبس في مثل هذه المسائل أنهم يختاروا أكثر من شيخ ويأخذوا بكل شيخ فتجده كلما سمع فتوى عمل بها المنبغي أن يكون له عالم عامل عرفه بكتاب الله وسنة النبي-r- فيسأله عن حلال الله وحرام ويلتزم بقوله ويسير على منهجه ، ولذلك إذا نظرنا في أصحاب النبي الله-r- وجدنا لكل صحابي أصحابه ، فوجدنا لابن عمر نافع وابنه سالم بن عبدالله بن عمر وغيرهما من أصحابه ، وكذلك وجدنا لعبد الله بن عباس مجاهد وطاووس وعطاء وسعيد بن جبيروغيرهم-رحمة الله عليهم-كل واحد من العلماء لزمه أصحابه وأخذوا عنه ورضوا به حجة بينهم وبين الله مادام أنه يتكلم بالدليل ؛ السبب أننا نقول أن طالب العلم الذي يحسن النظر نوعاً ما ولايحسنه على الكمال ينبغي أن يتقيد بعالم بدليله أننا لو قلنا اجتهد لايحسن الاجتهاد ولوقلنا له ابحث لايحسن البحث فحينئذٍ نكلفه ماليس في وسعه والله لايكلف نفساً ألا ما في وسعها ثم لوقلنا له قلد مثله لايقلد وإنما يتبع هذا العالم بالدليل ولو قلنا له خذ بفتوى أي عالم فهذا خطأ لأنه لو جاء إلى الصلاة فأخذ بقول من يقول بعدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم وترك قراءتها لقوله هذا فإن هذا القول قد يكون مبنياً على أصل في دلالة منطوق أو مفهوم فيأتي في البيع والشراء ويسأل غيره ويكون هذا الغير قد اعتمد أصلاً ضد الأصل الذي اعتمده الآخر فيتعبد الله بأصول متناقضة فهو تارة يعتقد الحكم بما أنزله الله-U-في دلالة ويرى في موضع آخر أنها ليست بحجة وليست بدليل ، ولذلك إذا أصبح طالب العلم يأخذ بقول كل إنسان دون أن يتقيد بعالم يتذبذب ولايمكن أن يثبت له حال وتجد بعض طلاب العلم يبدأ بقراءة الفقه فلايستقيم له حال لأنه يذهب ويقرأ في شروح الأحاديث فيجد خلاف الأئمة وأقوالهم وأدلتهم أمر ضاعت فيه عقول الجهابذة من أهل العلم فضلاً عن طويلب علم مبتدئ ويريد أن يصل إلى العلم بهذه الطريقة لايمكن ولايمكن أن يضبط العلم إلا بعالم يسير على نهجه بكتاب الله وسنة النبي-r-وليس هذا من التعصب ولامن التقليد المذموم إنما التقليد المذموم والتعصب أن يقال له قال الله قال رسوله فيعدل إلى قول شيخه مجرداً عن الدليل ، أما إذا أخذ بقول شيخه بدليل وحجة ورضي به بينه وبين الله فهذا مذهب السلف-رحمة الله عليهم-ولن تجد عالماً إلا وقد جثى بركبتيه بين يدي إنسان من أهل العلم قد أخذ العلم عن أهله حتى نبغ وضبط وبعد أن يضبط يتوسع فيصل إلى درجة الاجتهاد فيبقى على ماكان حقاً ويعدل إلى الصواب الذي عند غيرشيخه هذا هو الصواب الذي سار عليه الأئمة وسار عليه الجهابذة-رحمة الله عليهم- فانتفعوا ونفع الله بهم لكن طالب العلم الذي لايلتزم بأصل ولايكون له شيخ يتذبذب فإن كان الإنسان مجتهداً أو طالب علمٍ والتبست عليه مسألة في موضع وليس عنده شيخ يسأله أو يتقيد به فوجد شيخين كل واحد منهما يفتي بضد الآخر فاختلف العلماء على ماذُكر من أهل العلم من يقول يأخذ بالسماحة لأنها الأصل قال-تعالى-:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وما خير-r- بين أمرين ألا اختار أيسرهما ، وكذلك قال-r-:((يسرا ولاتعسرا وبشرا ولاتنفرا)) فقالوا يأخذ بالأيسر وقال بعضهم بل يأخذ بالعزيمة والذين يقولون بأخذ بالعزيمة يقولون لأنه تعارض عنده من يقول بالوجوب وعدم الوجوب فاسقاط الوجوب مشكوك فيه لما بلغه الوجوب بقول إنسان هو حجة وعالم فإنه يشك في سقوط الوجوب بالمعارض فيبقى على الوجوب والالزام ويبقى على التحريم والحظر ولما في أخذه من التحريم والحظر من الحيطة لدينه كما في الحديث:(( دع مايريبك إلى مالايربيك)) ونحو ذلك من الأدلة التي دلت على أنه ينبغي للإنسان أن يستبرئ لدينه وعرضه ومنهم من قال يخير يأخذ ماشاء من الأقوال والذي يظهر والله أعلم أن المسألة تحتاج إلى نظر، فإن كان العالمان متفاوتين في النظر والفقه عمل بمن هو أقوى وحينئذٍ ينظر في العالمين فلو كان أحدهما أعلم من الآخر في الفقه وتعارضا في مسألة فقهية أو عالم يحسن الحديث ولايحسن الفقه وعالم يحسن الفقه ولايحسن الحديث فإن تعارضا في مسألة حديثية قدم العالم الذي يحسن الحديث على العالم الذي يحسن الفقه ، وإن كانت مسألة فقهية قدم الذي يحسن المتون والنظر في الفقه على الذي يحسن الأسانيد والنظر في الحديث لأنه لابد وأن يعطى كل إنسان حقه وقدره فقد أمر النبي-r- بأنزال الناس منازلهم فهذا عالم متقن لأمره متفرغ له قد جعل له وسعه فهو أدرى بما يقول واضبط للأصول وأعرف بكلام العلماء - رحمة الله عليهم- وأقعد بالدليل ، فلذلك الغلبة بالظن برجحان قوله .
كذلك أيضاً لو قال قائل إن استويا في العلم فمذهب بعض الأصوليين أنه ينظر إلى حال العالمين فإن وجد أحدهما أصلح وأتقى لله -U- وأورع وأكثر خشية لله-سبحانه-وأكثر اجتهاداً في العبادة والخير فغلبة الظن بأصابته للحق أكثر من غيره لأن الذي عُلم بالالتزام بالسنة والعبادة والصلاح والخير أقرب لطاعة الله وأقرب للتوفيق من الله -U- من غيره فكانت له مزية فضل أن يتبعه ويرجحه على غيره ، ولهذا أصل فالدليل على الترجيح بهذه المرجحات فعل السلف فإن الصحابة كانوا إذا اختلفوا في أمر من أمور النبي-r-في بيته مع أهله احتكموا إلى أمهات المؤمنين فلما اختلفوا في حديث : (( إنما الماء من الماء))ووجوب الغسل بمجرد الإيلاج بعث عمر - t- إلى أم المؤمنين عائشة يسألها فذكرت حديثه عليه الصلاة والسلام-: ((إذا التقى الختان فقد وجب الغسل )) فقال عمر من خالف بعد اليوم جعلته نكالاً فجعل الأمر مرده إلى من هو أعلم بالسنة لأن أم المؤمنين في فقها في علم حال النبي-r- في بيته أعلم ولما رجع إلى أم المؤمنين في علم مسائل السفر كانت تبعث إلى عبدالله بن عمر وكانت ترجع إليه فهذا من باب إنزال الناس منازلهم وهذا هو هدي السلف والأئمة-رحمة الله عليهم- ، حتى كانوا في المناقشات والمناظرات لايعدلون بأقوال الجهابذة وإذا جاء القول عن جهبذ متقن محرر لعلمه قد تفرغ له وبذل له وسعه فلاشك أن غلبة الظن بإصابة الحق فيه أولى ، ولذلك قال الإمام الشافعي -رحمه الله-"رضيت بمالك حجة بيني وبين الله" ، مع أنه في زمان مالك كان هناك أئمة وعلماء ولكنه لما رأى من حب مالك للسنة واتباعه لأثر النبي -r- وكثرة خشية لله وكثرة عبادته وورعه في المشتبهات غلب ظنه برجحان قوله فرضي به حجة بينه وبين الله.
كذلك أيضاً إذا كان هناك أمور تدل على رجحان القول كالعامي مثلاً يأتي ويستفتي العالم فيجد العالم يبسط له المسألة ويذكر له أن فيها خلافاً وأن القول الأول يقول كذا والثاني يقول كذا أو طالب علم يجد العالم يبسط له المسألة ويذكر له الخلاف ويجيب عن الأدلة والثاني يذكر له قول مجرداً عن الدليل أو يذكر القول بدليل ولايحسن الإجابة عن الدليل الآخر رجح عندك أن قول من بسط أولى بالصواب من الذي لم يبسط ، وهناك طريقة ثالثة يذكرها بعض العلماء وهي أن يأخذ دليل هذا ويعرضه على الثاني فينظر في جوابه فإن وجد منه القوة على الجواب والقدرة على رده علم أنه أقوى فإن وجد منه جواباً رجع إلى الثاني وذكر له دليلاً ولايقول له فلاناً يقول حتى لايوقع الشحناء والبغضاء ولكن يقول هناك من يقول كذا لكذا فهل هذا صحيح ؟
يقول له لا والجواب كذا وكذا ، فإن قال لا والجواب كذا وكذا فحينئذ يعلم أن الذي أجاب مقدم على الذي لم بجب فالحجة السالمة من المعارض أقوى من الحجة التي لها معارض والحجة التي أجيب عنها عن الاعتراضات الواردة والمناقشات التي عليها مقدمة على ضدها ولذلك يرضى بها ويكون غلبة الظن برجحانها أقوى من غيرها ،والله تعالى أعلم .