حتى الأدوية وصلها الغش!!

بندر الشهري

قبل عام توجهتُ لصيدلية أحد المستشفيات الحكومية لصرف بخاخات "الربو" لابني؛ ففوجئت بالصيدلي - وهو شاب سعودي - يقول لي بالنص: "تفضل هذي البخاخات بس ما أنصحك تستخدمها، أنصحك تحضر لابنك بخاخات شركة(...)"!!

قلت له متعجباً: "لماذا؟ وما الفرق؟ كلها بخاخات ربو وبنفس الاسم!".

قال: "مفعول بخاخات شركة (...) أفضل من مفعول هذه البخاخات التي نصرفها"!!
قلت له: "طيب ومن أين أحصل عليها..؟!".

قال: "اذهب واحضرها من إحدى الصيدليات الكبرى، أو إن كان لديك معارف في أحد المستشفيات الحكومية الأخرى فابحث عنها هناك"!!

حقيقة، وقتها لم أقتنع بحديث الصيدلي، رغم أنه أبدى تعاطفاً مع حالة ابني، وأحسست بأنه يودُّ لي الخير، وقلت في نفسي "معقولة، وزارة الصحة ومستشفياتها الحكومية تصرف للمواطنين أدوية مضروبة أو أدوية بفاعلية أقل..؟!".

مرَّت الأيام وأنا أقرأ بين كل فترة وأخرى أخباراً تتعلق بالعثور على أدوية مغشوشة، وأحياناً أدوية منتهية الصلاحية في بعض المستشفيات الحكومية والخاصة، وكان لدي قناعة بأن الغش والتلاعب يمكن أن يصل إلى أي شيء إلا صحة الناس وأدويتهم.. وذلك قبل أن أقرأ خبراً الأسبوع الماضي عبر صحيفة الوطن، جاء فيه "دفع الجدل المحتدم بين شركات الأدوية في السعودية والهيئة العامة للغذاء والدواء حول الأدوية المغشوشة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض إلى تشكيل لجنة ثلاثية، تضم الهيئة العامة للغذاء والدواء والجمارك السعودية وشركات الأدوية، للقاء بعد 20 يوماً؛ للفصل بين جميع الأطراف؛ للخروج بتوصيات يتم رفعها إلى المقام السامي. وأكد نائب رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض رئيس اللجنة الطبية الدكتور سامي العبد الكريم في تصريح له أن القطاع الخاص وشركات الأدوية متهمة في الغالب بأنها لا تنظر إلى سلامة المريض، مشيراً إلى شكاوى عدة وردت إلى اللجنة الطبية بغرفة الرياض من قِبل شركات الأدوية، تفيد بتضررها من انتشار الأدوية المغشوشة في السعودية، وأنها تؤثر فيها تجارياً، وتضر بالاقتصاد الوطني".

بعد قراءتي الخبر عادت بي الذاكرة لكلام الصيدلي السعودي في المستشفى الحكومي، وفهمت ماذا كان يقصد، وفهمت فوراً أن عليّ التوقف عن صرف تلك البخاخات من ذلك المستشفى، الذي أكرر أنه "حكومي"، وتأكدت أيضاً أنه ينبغي علي تدارك الوضع والذهاب لإحدى الصيدليات الكبرى؛ للبحث عن البخاخ الأصلي، وليس المضروب!!

فهمت أيضاً بعد قراءة الخبر لماذا يقال أحياناً إن فاعلية الدواء نفسه أو وكالته في الخليج أفضل من التي عندنا في السعودية..؟!

قد يكون التلاعب والتجاوز - كما جاء في الخبر - من بعض القطاعات الطبية الخاصة نوعاً ما متوقَّعاً، مع أني أؤمن بأن موضوع الأدوية ينبغي أن يكون خطاً أحمر، لا يمكن المساس به، لكن أن يحدث في مستشفيات حكومية فذلك - لعمري - كارثة كبرى، وبمباركة من وزارة الصحة، التي يبدو أنها لا ترى، ولا تسمع، ولا تتكلم!!

أما إن كانت "الصحة" تتعمد استيراد الأدوية الأقل فاعلية أو الأرخص بحجة التوفير فتلك مصيبة أعظم..

موضوع الأدوية المغشوشة والأدوية منتهية الصلاحية، الذي نتابع تكرره بكثرة مؤخراً في مستشفيات حكومية، موضوعٌ شائك وحساس جدًّا، ينبغي على وزارة الصحة أولاً وهيئة الغذاء والدواء ثانياً، ومن ثم هيئة مكافحة الفساد ثالثاً، النظر إليه بكل قوة وحزم، والتدخل عاجلاً لوقفه وإنهائه تماماً؛ حيث إنه يتعلق بصحة وحياة الناس، إلا إن كانت وزارة الصحة لم يعد لها من اسمها نصيب، ولم تعد تؤمن بأن حياة الناس غالية جدًّا!!


المقاله موجوده في صحيفة سبق

منقول