لم يتمكن الأرمن هذا العام كما جرت العادة من إحياء ذكرى المجازر التي ارتكبت بحق أجدادهم قبل مئة و5 أعوام خلال حقبة "السلطنة العثمانية"، نتيجة تفشي فيروس كورونا المستجد حول العالم.
واعتاد الأرمن في السنوات الماضية على إحياء ذكرى المجازر على نطاقٍ واسع يوم 24 نيسان من كلّ عام وهو اليوم الّذي أعلنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الماضي، يوماً وطنياً في بلاده بعد 18 عاماً من اعتراف باريس بتلك المجازر كإبادة عرقية للأرمن إلى جانب عشرات الدول الأخرى.
وقال سورين مانوكيان (Suren Manukyan) وهو أكاديمي أرمني لـ "العربية.نت" إن "الإبادة الجماعية الأرمنية هي جزء من قصة عائلتي، فقد نجت جدتاي من تلك المجازر ونشأتا بعد ذلك في دورِ للأيتام بعد مقتل جميع أفراد عائلاتهما".
وأضاف البروفيسور الجامعي ورئيس قسم دراسات "الإبادة الجماعية" في جامعة العاصمة الأرمينة يريفان أن "هذه المجازر تخصني، وهي ليست شيئاً غامضاً بالنسبة لي. لم أتعرّف إليها من خلال قراءة الكتب أو دراسة التاريخ، لقد عرفتها عن قرب من بعض أفراد أسرتي".
وتابع أن "الإبادة الجماعية للأرمن هي جريمة مروعة لم تتوقف عند قتلِ أعداد هائلة من الأرمن، وإنما امتدت لسرقة أراضيهم أيضاً"، في إشارة منه إلى الأراضي التي تسيطر عليها تركيا حالياً وكان يعيش فيها الأرمن قبل وقوع تلك المجازر.
تعويض المتضريين
كما شدد على أنه "لا يوجد حتى الآن ادعاء أرمني موحد يجمع مطالب الدولة مع الأرمن المغتربين من تركيا، لكن باعتقادي على أنقرة الاعتذار من الأرمن كخطوة أولى على مجازر أسلافها، ومن ثم يجب أن تتفاوض مع أرمينيا حول تعويض المتضررين من تلك المجازر وتحديد أشكال وحجم التعويضات".
كما أشار البروفيسور والّذي يعمل أيضاً كمحاضرٍ مساعد في الجامعة الأمريكية إلى أن "الإبادة الجماعية للأرمن كانت محاولة لتدمير الحضارة الأرمنية في مهدها".
ولفت إلى أن "عواقب تلك الإبادة كانت كبيرة، لدرجة أن أحفاد الناجين منها يعانون من أذى الماضي إلى الآن"، مؤكداً أنه "لهذا السبب، نحن مصممون على النضال من أجل تحقيق العدالة ونأمل أن ننجح في هذا الأمر".
وأول أمس الجمعة، طالب رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، خلال مشاركته في إحياء الذكرى الـ105 للإبادة الأرمنية، تركيا بتقديم اعتذارات لبلاده عن "هذه الجريمة ضد الحضارة الإنسانية".
يشار إلى أن إحياء هذه الذكرى كان متواضعاً هذا العام في أرمينيا، ولم تنظم المسيرات التقليدية بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد. كما أن النصب الذي يتوجه إليه الأرمن عادة قرب يريفان أغلق أمام العموم.
وفي كلمة مقتضبة عبر الفيديو قال نيكول باشينيان إنه بعد أكثر من قرن على هذه الأحداث "لا تزال تداعيات الإبادة قائمة". وبعدما وضع إكليلا من الزهر أمام النصب، ندد "بجريمة ليس فقط ضد هويتنا الاثنية وإنما ضد الحضارة الإنسانية".
كما أشار إلى أن "تركيا لم تقدم أبدا اعتذارات لما ارتكبته"، مضيفا أن يريفان "تطالب" باعتراف رسمي بالمجازر في تلك الفترة على أنها إبادة.
ويؤكد الأرمن أن قوات السلطنة العثمانية قتلت 1,5 مليون شخص منهم خلال الحرب العالمية الأولى. وترفض تركيا تسمية "الإبادة" وتؤكد أنها مجازر متبادلة خلال حرب أهلية ومجاعة، أسفرت عن سقوط مئات الآلاف من القتلى من الطرفين.
ويعترف حوالي ثلاثين دولة وعدد من المؤرخين بأن هذه الوقائع كانت إبادة.
وكانت أرمينيا أطفأت مساء الخميس الماضي، الأنوار في الأماكن العامة لإحياء ذكرى ضحايا الإبادة في 1915.
وألغيت هذا العام مسيرة المشاعل التي تنظم عادة في الليل في شوارع وساحات العاصمة يريفان في 23 نيسان/أبريل من كل سنة، كما أغلقت الطرق المؤدية إلى نصب ضحايا الإبادة الذي يطل على المدينة.