إلا أن آخرين يعتقدون أن تلك المخاوف من قبل المستثمرين الصينيين مرجعها الأنباء التي تفيد بأن صندوق النقد الدولي يضغط على بكين لإلغاء الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لإنقاذ البورصة من الانهيار الذي حدث فيها قبل أسابيع، إضافة إلى بيانات أسوأ من المتوقع بخصوص الأرباح في الشركات الصناعية الصينية.
فيما تفتح الأنباء الخاصة بضغوط صندوق النقد الدولي على الصين، المجال، إلى إيمان البعض بأن ما يحدث في الاقتصاد الصيني حاليا يدخل في إطار مؤامرة كبرى تتعرض لها البلاد اقتصاديا.
ومن هؤلاء الدكتور تشين جي؛ أكاديمي صيني يعمل مستشارا لعدد من المؤسسات الاستثمارية الصينية، الذي اعتبر أن هناك مخاوف من قبل دوائر أمريكية على حد زعمه من قيام صندوق النقد الدولي بإعلان العملة الصينية عملة دولية تضاف إلى احتياطات الصندوق، وتأثير ذلك في قيمة الدولار الأمريكي.
وبين خلال استضافته هيئة الإذاعة البريطانية للتعليق على أسباب التراجع الحاد في البورصة الصينية، أن هذه الدوائر تعمل عبر وسائل الإعلام على الترويج أن الحكومة الصينية سترفع تدخلها في إدارة العملية الاقتصادية، ودعمها البورصة بشكل مفاجئ، ما سينجم عنه "دوامات اقتصادية"، ما دفع - من وجهة نظره - بالمستثمرين إلى التخلص من الأسهم للاحتفاظ بسيولة مالية للتعامل من التطورات المستقبلية". وتعد قضية الديون الداخلية في الصين وتأثير الأزمة الراهنة في قدرة الشركات الصينية المسجلة في البورصة على سداد ديونها الداخلية والخارجية، تعدان أحد أبرز المخاوف الراهنة إذا تفاقمت الأزمة، حيث دفع انتعاش البورصة خلال العام الماضي، بعديد من صغار المستثمرين إلى الاقتراض من المصارف للاستثمار في سوق الأسهم.
أما الآن مع تعرض البورصة للخسارة، فإن المستثمرين لن يكونوا قادرين على سداد ما عليهم من ديون داخلية، وإذا تزامن ذلك مع مزيد من الانهيار في الأسعار فإن الشركات المسجلة في البورصة ستواجه خسائر فادحة، ما سيجعلها عاجزة عن سداد ديونها سواء كانت لمصارف صينية أو دولية.
ومع إدراك حكومة بكين حساسية الوضع، فإنها اتخذت إجراءات سريعة ومكثفة لتدارك الموقف وللحيلولة دون مزيد من تدهور السوق، إذا تم تجميد الاتجار في عديد من أسهم الشركات الصينية، كما قام البنك المركزي الصيني بالتدخل عبر شراء أسهم بعض من الشركات والمؤسسات التي تمثل العصب الأساسي للاقتصاد الصيني، وألزم أي مستثمر لديه أسهم بما يعادل 5 في المائة من أسهم شركة ما بعدم طرحها للتداول لمدة ستة أشهر.
ومع هذا، فإن باحثين في البورصة البريطانية توقعوا فشل تلك الإجراءات، ومن بينهم والتر نايت؛ نائب رئيس قسم التحليل المالي في بورصة لندن، الذي اعتبر أن تلك الإجراءات لن تمنع البورصة الصينية من الانهيار، وإنها في أفضل تقدير قد تحد من سرعة السقوط.
وقال لـ "الاقتصادية"، إن "السبب الرئيسي لتراجع قيمة الأسهم الصينية هو أن أغلبها مقيم بأكثر من قيمته الحقيقية، فخلال عام واحد، ارتفعت قيمة البورصة الصينية بنسبة 150 في المائة، والآن ومنذ أواخر شهر حزيران (يونيو) الماضي وحتى الآن خسرت 30 في المائة من قيمتها، أي أن سوق الأسهم الصينية خسرت نحو ثلاثة تريليونات دولار خلال أقل من شهر".
وأضاف، أن "الأسواق تقبل بالتقييمات المبالغ فيها وتتعامل معها، وهي تعلم أن الأسهم مقيمة بأعلى من قيمتها، طالما ظل الوضع الاقتصادي العام لا توجد فيه مخاطر وظلت معدلات النمو مرتفعة، ولكن بمجرد الإعلان عن الأرقام الحقيقية للأداء الاقتصادي، أو ظهور مؤشرات واقعية بأن معدل النمو الاقتصادي سيتراجع، أو أن الحكومة سترفع الإجراءات التي تتبناها لدعم البورصة، فإن الفزع يدب بين المستثمرين خاصة صغارهم في محاولة للقفز من السفينة قبل أن تغرق، إلا أنهم خلال تدافعهم يغرقون وتغرق السفينة معهم، وهذا يمكن أن يحدث في الصين". وأضاف، أن "الأسواق ستصحح نفسها بنفسها، وإذا أسرفت الحكومة في تدخلها بدعوى منع مزيد من الخسائر في البورصة، فإنها قد تفلح في حل الأزمة في الأمد القصير، لكن على الأمد الطويل ستظل المشكلة قائمة، وتتكرر مستقبلا وربما بصورة أكثر عنفا وحدة على الاقتصاد الكلي".